ربما يمثل الفكر السياسي للأربعة "جمال الأتاسي– عبد الكريم زهور عدي– الياس مرقص- ياسين الحافظ "
جانبا من أهم ما توصل إليه الفكر السياسي في سورية في تلك المرحلة التاريخية التي أعقبت تجربة الوحدة بين سورية ومصر وصولا إلى جفاف الحياة السياسية في السبعينياتوالذي ترافق مع ظهور تيارين سياسيين هامين استلهم أحدهما فكر الأربعة السابق ذكرهم وهو التيار الذي انشق عن الحزب الشيوعي السوري بقيادة رياض الترك , أما الثاني " رابطة العمل الشيوعي ثم حزب العمل الشيوعي " فقد كان أقرب لليسار الثوري العالمي المطبوع بطابع شبابي حاول تقديم نمط جديد من الفكر السياسي لكنه سرعان ما انطفأ بفعل القمع والإاضطهاد في الداخل السوري وأيضا بفعل تمزق المعسكر الإشتراكي ثم تفكك الإتحاد السوفييتي وسقوط النظام الإشتراكي 1991 وغياب أي حضور عالمي مؤثر للتيارات الإشتراكية الثورية التي ظهرت قبل بداية القرن العشرين .
ذلك يبرر محاولة تلخيص إنجازات ذلك التيار وجمعها في محصلة واحدة ما أمكن ذلك , فمن الطبيعي وجود الاختلاف بين كل واحد من الأربعة والآخرين إلى هذا الحد أو ذاك , لكن التقارب الواضح في طرائقهم الفكرية والمبادىء المرجعية لذلك الفكر تبقى كافية لجمعهم في تيار فكري – سياسي , وتلك هي المهمة الأولى التي يسعى إليها هذا البحث .
مثل الفكر السياسي لذلك التيار محاولة لفهم الماركسية وتمثلها دون الوقوع في فخ الجمود العقائدي , ودون أن يقطع الصلة بالتراث والجذور القومية – العربية , كما حاول استعمال الأدوات المعرفية الفلسفية الماركسية في فهم الواقع السياسي العربي المعقد التركيب بعيدا عن التبسيطات الكلاسيكية والتعميمات النظرية .
بصيغة أخرى فقد حاول بجرأة ورزانة شق طريق مستقل للفكر السياسي العربي اليساري بالإرتباط العميق بالمشكلات التي يطرحها النهوض العربي على صعيد الفكر والسياسة .
حارب ذلك الفكر على أكثر من جبهة , فقد تصدى للطفولية اليسارية, وللجمود العقائدي , وللعدمية القومية , كما حاول تخليص الفكر القومي من تبسيطاته وتعصبه وخلوه من المضمون الإجتماعي .
وقف أيضا ضد النزعة التجريبية وقصر النظر في الممارسة السياسية والتي اتصفت بها الحركة الفلسطينية وتنظيماتها المسلحة في السبعينات وأدت بها إلى طريق مسدود .
لكن الإنجاز الأكبر لذلك الفكر من حيث التكوين هو إدخال النزعة العقلانية التي سنجدها عند الأربعة هذه النزعة التي تناهض الدوغمائية والشطحات الرغائبية والضبابية في فكر حزب البعث . وتجعل من ذلك الفكر أكثر واقعية وأقدر على وعي الإشكالات التي تعترض العمل السياسي .
يميل الفكر السياسي في سورية اليوم إلى إعلاء شأن " الوطنية السورية " والديمقراطية والمواطنة وحقوق الانسان , كما يميل إلى إظهار تفهم أعمق للتنوع الثقافي والقومي والديني لكن ذلك كله لم يتبلور في أطر فكرية – سياسية واسعة ومتماسكة , كما أن المضمون الاجتماعي يكاد يغيب ضمن المؤثرات الليبرالية الوافدة خصوصا بعد التسعينات من القرن الماضي .
في حين يبدو الفكر السياسي السوري الراهن مختلفا في المضمون إلى حد كبير عن الفكر السياسي السوري في الستينات والسبعينات لكنه يظل حتى اليوم في تجلياته كدفقات متناثرة جزئية وسطحية غارقة في التفاصيل , وبعبارة أخرى لايظهر كفكر سياسي حقيقي متماسك وعميق الجذور , وذلك هو الفارق بينه وبين سلفه السابق .
وطالما أنه كذلك فسيظل بحاجة للعودة إلى جذوره القديمة , وإلى آخر محطاته التي توصل إليها قبل أن تعصف به العواصف فيجد نفسه ممزقا بين مفترقات الطرق .
في الجزء الثاني نقد للمعارضة السورية في المرحلة بين الأعوام 2003- 2010 ثم في المرحلة التالية بعد انفجار الحركة الشعبية عام 2011 .
أما الجزء الثالث فيتضمن سلسلة من المقالات التي نشرت للكاتب حول مواضيع فكرية مختلفة كالعلمانية والمواطنة والديمقراطية والديكتاتورية والعنف والطائفية ....
مما يؤسف له أن الفكر السياسي السوري كان يسير في السنوات العشر الأخيرة وراء الحركة الشعبية وليس أمامها , ومالم يخضع لعملية نقد واسعة ومعمقة فإن الأمل في انبعاث الروح فيه لايبدو حقيقيا , ومايحاول هذا الكتاب فعله هو التمهيد لهكذا مراجعة والدفع باتجاهها سواء بفحص نماذج من تاريخه السابق أو بنقد واقعه الحالي الذي لم يتزحزح عنه سوى بأضيق الحدود منذ أن وجد ضالته في إعلان دمشق متجاهلا ماكشفت عنه الوقائع من خواء ذلك الفكر وعقمه وافتقاره للحيوية والقدرة على إنارة الطريق لممارسة سياسية فاعلة تتصف بالتناسق والإنسجام الداخلي وخلق أرضية صلبة تمكن الحركة الشعبية من السير بثقة نحو الأمام .
أرجو أن يساهم الكتاب أيضا في إلقاء الضوء على السياق الذي اتخذه الفكر السياسي السوري في المراحل الثلاث من حيث طبيعة المهام التي كانت مطروحة عليه وتلك التي مازالت موضع جدال وأخذ ورد .
ربما يمثل الفكر السياسي للأربعة "جمال الأتاسي– عبد الكريم زهور عدي– الياس مرقص- ياسين الحافظ "
جانبا من أهم ما توصل إليه الفكر السياسي في سورية في تلك المرحلة التاريخية التي أعقبت تجربة الوحدة بين سورية ومصر وصولا إلى جفاف الحياة السياسية في السبعينياتوالذي ترافق مع ظهور تيارين سياسيين هامين استلهم أحدهما فكر الأربعة السابق ذكرهم وهو التيار الذي انشق عن الحزب الشيوعي السوري بقيادة رياض الترك , أما الثاني " رابطة العمل الشيوعي ثم حزب العمل الشيوعي " فقد كان أقرب لليسار الثوري العالمي المطبوع بطابع شبابي حاول تقديم نمط جديد من الفكر السياسي لكنه سرعان ما انطفأ بفعل القمع والإاضطهاد في الداخل السوري وأيضا بفعل تمزق المعسكر الإشتراكي ثم تفكك الإتحاد السوفييتي وسقوط النظام الإشتراكي 1991 وغياب أي حضور عالمي مؤثر للتيارات الإشتراكية الثورية التي ظهرت قبل بداية القرن العشرين .
ذلك يبرر محاولة تلخيص إنجازات ذلك التيار وجمعها في محصلة واحدة ما أمكن ذلك , فمن الطبيعي وجود الاختلاف بين كل واحد من الأربعة والآخرين إلى هذا الحد أو ذاك , لكن التقارب الواضح في طرائقهم الفكرية والمبادىء المرجعية لذلك الفكر تبقى كافية لجمعهم في تيار فكري – سياسي , وتلك هي المهمة الأولى التي يسعى إليها هذا البحث .
مثل الفكر السياسي لذلك التيار محاولة لفهم الماركسية وتمثلها دون الوقوع في فخ الجمود العقائدي , ودون أن يقطع الصلة بالتراث والجذور القومية – العربية , كما حاول استعمال الأدوات المعرفية الفلسفية الماركسية في فهم الواقع السياسي العربي المعقد التركيب بعيدا عن التبسيطات الكلاسيكية والتعميمات النظرية .
بصيغة أخرى فقد حاول بجرأة ورزانة شق طريق مستقل للفكر السياسي العربي اليساري بالإرتباط العميق بالمشكلات التي يطرحها النهوض العربي على صعيد الفكر والسياسة .
حارب ذلك الفكر على أكثر من جبهة , فقد تصدى للطفولية اليسارية, وللجمود العقائدي , وللعدمية القومية , كما حاول تخليص الفكر القومي من تبسيطاته وتعصبه وخلوه من المضمون الإجتماعي .
وقف أيضا ضد النزعة التجريبية وقصر النظر في الممارسة السياسية والتي اتصفت بها الحركة الفلسطينية وتنظيماتها المسلحة في السبعينات وأدت بها إلى طريق مسدود .
لكن الإنجاز الأكبر لذلك الفكر من حيث التكوين هو إدخال النزعة العقلانية التي سنجدها عند الأربعة هذه النزعة التي تناهض الدوغمائية والشطحات الرغائبية والضبابية في فكر حزب البعث . وتجعل من ذلك الفكر أكثر واقعية وأقدر على وعي الإشكالات التي تعترض العمل السياسي .
يميل الفكر السياسي في سورية اليوم إلى إعلاء شأن " الوطنية السورية " والديمقراطية والمواطنة وحقوق الانسان , كما يميل إلى إظهار تفهم أعمق للتنوع الثقافي والقومي والديني لكن ذلك كله لم يتبلور في أطر فكرية – سياسية واسعة ومتماسكة , كما أن المضمون الاجتماعي يكاد يغيب ضمن المؤثرات الليبرالية الوافدة خصوصا بعد التسعينات من القرن الماضي .
في حين يبدو الفكر السياسي السوري الراهن مختلفا في المضمون إلى حد كبير عن الفكر السياسي السوري في الستينات والسبعينات لكنه يظل حتى اليوم في تجلياته كدفقات متناثرة جزئية وسطحية غارقة في التفاصيل , وبعبارة أخرى لايظهر كفكر سياسي حقيقي متماسك وعميق الجذور , وذلك هو الفارق بينه وبين سلفه السابق .
وطالما أنه كذلك فسيظل بحاجة للعودة إلى جذوره القديمة , وإلى آخر محطاته التي توصل إليها قبل أن تعصف به العواصف فيجد نفسه ممزقا بين مفترقات الطرق .
في الجزء الثاني نقد للمعارضة السورية في المرحلة بين الأعوام 2003- 2010 ثم في المرحلة التالية بعد انفجار الحركة الشعبية عام 2011 .
أما الجزء الثالث فيتضمن سلسلة من المقالات التي نشرت للكاتب حول مواضيع فكرية مختلفة كالعلمانية والمواطنة والديمقراطية والديكتاتورية والعنف والطائفية ....
مما يؤسف له أن الفكر السياسي السوري كان يسير في السنوات العشر الأخيرة وراء الحركة الشعبية وليس أمامها , ومالم يخضع لعملية نقد واسعة ومعمقة فإن الأمل في انبعاث الروح فيه لايبدو حقيقيا , ومايحاول هذا الكتاب فعله هو التمهيد لهكذا مراجعة والدفع باتجاهها سواء بفحص نماذج من تاريخه السابق أو بنقد واقعه الحالي الذي لم يتزحزح عنه سوى بأضيق الحدود منذ أن وجد ضالته في إعلان دمشق متجاهلا ماكشفت عنه الوقائع من خواء ذلك الفكر وعقمه وافتقاره للحيوية والقدرة على إنارة الطريق لممارسة سياسية فاعلة تتصف بالتناسق والإنسجام الداخلي وخلق أرضية صلبة تمكن الحركة الشعبية من السير بثقة نحو الأمام .
أرجو أن يساهم الكتاب أيضا في إلقاء الضوء على السياق الذي اتخذه الفكر السياسي السوري في المراحل الثلاث من حيث طبيعة المهام التي كانت مطروحة عليه وتلك التي مازالت موضع جدال وأخذ ورد .
قراءة و تحميل كتاب الاعوام المائه القادمة استشراف للقرن الحادي والعشرين PDF مجانا